كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَلَّى قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنْ سَرَّكُمْ أَنْ يَخْرُجَ الْغِلُّ مِنْ صُدُورِكُمْ فَأَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».
فِي عَدَدِ الِاسْتِئْذَانِ وَكَيْفِيَّتِهِ رَوَى دُهَيْمُ بْنُ قِرَانٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ: فَالْأُولَى يَسْتَنْصِتُونَ، وَالثَّانِيَةُ يَسْتَصْلِحُونَ، وَالثَّالِثَةُ يَأْذَنُونَ أَوْ يَرُدُّونَ».
وَرَوَى يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كُنْت جَالِسًا فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ، فَجَاءَ أَبُو مُوسَى فَزِعًا، فَقُلْنَا لَهُ: مَا أَفْزَعَك؟ قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آتِيَهُ فَأَتَيْته فَاسْتَأْذَنْت ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْت، فَقَالَ: مَا مَنَعَك أَنْ تَأْتِيَنِي؟ قُلْت: قَدْ جِئْت فَاسْتَأْذَنْت ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ قَالَ: لَتَأْتِيَنَّ عَلَى هَذَا بِالْبَيِّنَةِ قَالَ: فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَا يَقُومُ مَعَك إلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، قَالَ: فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ مَعَهُ فَشَهِدَ لَهُ».
وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي مُوسَى: إنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدٌ، وَفِي بَعْضِهَا: وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا لَمْ يَقْبَلْ عُمَرُ خَبَرَهُ حَتَّى اسْتَفَاضَ عِنْدَهُ لِأَنَّ أَمْرَ الِاسْتِئْذَانِ مِمَّا بِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةٌ عَامَّةٌ، فَاسْتَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةُ الِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا مَعَ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ثُمَّ لَا يَنْقُلُهَا إلَّا الْأَفْرَادُ؛ وَهَذَا أَصْلٌ فِي أَنَّ مَا بِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةٌ عَامَّةٌ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا خَبَرُ الِاسْتِفَاضَةِ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الْحَفْرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ وَقَفَ رَجُلٌ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُ فَقَامَ مُسْتَقْبِلَ الْبَابِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا عَنْك أَوْ هَكَذَا فَإِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ النَّظَرِ».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أُخْبَرَهُ عَنْ كَلْدَةَ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَبَنٍ وَجَدَايَةٍ وَضَغَابِيسَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَدَخَلْت وَلَمْ أُسَلِّمْ، فَقَالَ: «ارْجِعْ فَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» وَذَاكَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: أَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَادِمِهِ: «اُخْرُجْ إلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ فَقُلْ لَهُ: قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ فَضْلٍ الْحَرَّانِيِّ فِي آخَرَيْنِ قَالُوا: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَا يَسْتَقْبِلُ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا سُتُورٌ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} يَقْتَضِي جَوَازَ الدُّخُولِ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ إذْنٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ: الِاسْتِئْنَاسُ التَّنَحْنُحُ وَالتَّنَخُّعُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِدُخُولِهِ؛ وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِيمَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالدُّخُولِ بِغَيْرِ إذْنٍ، إلَّا أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْإِذْنُ فِي الدُّخُولِ فَحَذَفَهُ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْمُرَادِ.
وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ حَبِيبٍ وَهِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَسُولُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ إذْنُهُ».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ إذْنٌ».
فَدَلَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِذْنَ مَحْذُوفٌ مِنْ قَوْلِهِ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} وَهُوَ مُرَادٌ بِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الدُّعَاءَ إذْنٌ إذَا جَاءَ مَعَ الرَّسُولِ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْذَانٍ ثَانٍ.
وَهُوَ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ لَهُ بِإِبَاحَةِ الدُّخُولِ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الِاسْتِئْذَانِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ زِرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ إنِّي كُنْت لِأَعْتَمِد بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْجُوعِ، إنِّي كُنْت لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنْ الْجُوعِ وَلَقَدْ قَعَدْت يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمْ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا سَأَلْته إلَّا لِيُشْبِعَنِي فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَرَّ بِي عُمَرُ فَفَعَلْت مِثْلَ ذَلِكَ فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا هِرٍّ قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الْحَقْ» وَمَضَى وَاتَّبَعْته، فَدَخَلَ وَاسْتَأْذَنْت فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلْت فَوَجَدْت لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا؟» قَالُوا: أَهْدَى لَك فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةُ، قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي» قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا يَلْوُونَ عَلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، إذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِمْ لَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا؛ فَسَاءَنِي ذَلِكَ فَقُلْت: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ؟ كُنْت أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا جَاءُوا فَأَمَرَنِي فَكُنْت أَنَا أُعْطِيهِمْ، فَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ؟
فَأَتَيْتهمْ فَدَعَوْتهمْ فَأَقْبَلُوا حَتَّى اسْتَأْذَنُوا، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنْ الْبَيْتِ فَقَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «خُذْ فَأَعْطِهِمْ» فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْت أُعْطِي الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يُرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ فَأُعْطِيهِ آخَرَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يُرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ حَتَّى انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ وَنَظَرَ إلَيَّ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «بِقِيتِ أَنَا وَأَنْتَ» قُلْت: صَدَقْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَاقْعُدْ وَاشْرَبْ» فَشَرِبْت، فَمَا زَالَ يَقُولُ اشْرَبْ فَأَشْرَبُ حَتَّى قُلْت: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا قَالَ: «فَأَرِنِي» فَأَعْطَيْته الْقَدَحَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَشَرِبَ الْفَضْلَ.
فَقَالَ فَقَدْ اسْتَأْذَنَ أَهْلُ الصُّفَّةِ وَقَدْ جَاءُوا مَعَ الرَّسُولِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ «رَسُولَ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ إذْنُهُ».
قِيلَ لَهُ: لَيْسَا مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إبَاحَةٌ لِلدُّخُولِ مَعَ الرَّسُولِ وَلَيْسَ فِيهِ كَرَاهِيَةُ الِاسْتِئْذَانِ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ حِينَئِذٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الرَّسُولِ وَجَبَ حِينَئِذٍ الِاسْتِئْذَانُ؛ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ مَشْرُوطٌ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} قَوْلُهُ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} فَحَظَرَ الدُّخُولَ إلَّا بِالْإِذْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ مَشْرُوطٌ فِي إبَاحَةِ الدُّخُولِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى.
وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا: «إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ»، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ فِي دَارِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ ضُرُوبٌ مِنْ التَّغْلِيظِ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ أَوْ بِمَشَاقِصَ، قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ يَخْتَلِهِ لِيَطْعَنَهُ».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ كَثِيرٍ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا دَخَلَ الْبَصَرُ فَلَا إذْنَ».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ اطَّلَعَ فِي دَارِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَقَدْ هُدِرَتْ عَيْنُهُ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْفُقَهَاءُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ ضَامِنٌ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَهَذَا مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي تُرَدُّ لِمُخَالَفَتِهَا الْأُصُولَ، مِثْلُ مَا رُوِيَ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ؛ هَذِهِ كُلُّهَا أَخْبَارٌ شَاذَّةٌ قَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى خِلَافِ ظَوَاهِرِهَا.
وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَنْ اطَّلَعَ فِي دَارِ غَيْرِهِ فَفَقَأَ عَيْنَهُ كَانَ ضَامِنًا وَكَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَامِدًا وَالْأَرْشُ إنْ كَانَ مُخْطِئًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدَّاخِلَ قَدْ اطَّلَعَ وَزَادَ عَلَى الِاطِّلَاعِ الدُّخُولَ؛ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ مُخَالِفٌ لِمَا حَصَلَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ، فَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَمَعْنَاهُ عِنْدَنَا فَيَمَنِ اطَّلَعَ فِي دَارِ قَوْمٍ نَاظِرًا إلَى حُرَمِهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَمُونِعَ فَلَمْ يَمْتَنِعْ فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ فِي حَالِ الْمُمَانَعَةِ، فَهَذَا هَدَرٌ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ دَخَلَ دَارَ قَوْمٍ أَوْ أَرَادَ دُخُولَهَا فَمَانَعُوهُ فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ أَعْضَائِهِ فَهُوَ هَدَرٌ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ حُكْمُ الدَّاخِلِ وَالْمُطَّلِعِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ.
فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا النَّظَرُ وَلَمْ تَقَعْ فِيهِ مُمَانَعَةٌ وَلَا نَهْيٌ ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَهَذَا جَانٍ يَلْزَمُهُ حُكْمُ جِنَايَتِهِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} إلَى قَوْلِهِ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}.
قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} قَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا نَدْخُلُ بُيُوتَ غَيْرِنَا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا أُذِنَ لَنَا جَازَ لَنَا الدُّخُولُ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازُ قَبُولِ الْإِذْنِ مِمَّنْ أَذِنَ صَبِيًّا كَانَ أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا؛ إذْ لَمْ تُفَرِّقْ الْآيَةُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ وَهَذَا أَصْلٌ فِي قَبُولِ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَالَةُ وَلَا تُسْتَوْفَى فِيهَا صِفَاتُ الشَّهَادَةِ، وَلِذَلِكَ قَبِلُوا أَخْبَارَ هَؤُلَاءِ فِي الْهَدَايَا وَالْوَكَالَاتِ وَنَحْوِهَا.
فِي الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْمَحَارِمِ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلَ رِجْلٌ حُذَيْفَةَ: أَأَسْتَأْذِنُ عَلَى أُخْتِي؟ قَالَ: إنْ لَمْ تَسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا رَأَيْت مَا يَسُوءُك.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ: أَأَسْتَأْذِنُ عَلَى أُخْتِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ قُلْت: إنَّهَا مَعِي فِي الْبَيْتِ وَأَنَا أُنْفِقُ عَلَيْهَا، قَالَ: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا.
وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ مخارق عَنْ طَارِقٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَأَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَأَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ؛ أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟».
وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ: أَأَسْتَأْذِنُ عَلَى أُخْتِي وَأَنَا أُنْفِقُ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
فَلَمْ يُؤْمَرْ هَؤُلَاءِ بِالِاسْتِئْذَانِ إلَّا فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَجْنَبِيًّا أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، إلَّا أَنَّ أَمْرَ ذَوِي الْمَحَارِمِ أَيْسَرُ لِجَوَازِ النَّظَرِ إلَى شَعْرِهَا وَصَدْرِهَا وَسَاقِهَا وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} بَعْدَ قَوْلِهِ: {فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْهَى مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ دَارِهِ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ الْقُعُودِ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ حَظْرَ الدُّخُولِ إلَّا بَعْدَ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْآيَةِ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} فَائِدَةٌ مُجَدِّدَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ عَنْ بَابِ دَارِهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ التَّنَحِّي عَنْهُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ فِي دُخُولِ حَرَمِهِ وَخُرُوجِهِمْ وَفِيمَا يَنْصَرِفُ عَلَيْهِ أُمُورُهُ فِي دَارِهِ مِمَّا لَا يُحِبُّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.